"الإيكونوميست": تغير المناخ يغيّر خريطة الحساسية الموسمية حول العالم

"الإيكونوميست": تغير المناخ يغيّر خريطة الحساسية الموسمية حول العالم
طفل يعاني أعراض حمى القش

شهد شهر أبريل تدهورًا ملحوظًا في صحة جون بوستوك الذي فوجئ بظهور موجة حادة من الأعراض الموسمية مع بداية تفتح الأزهار، شعر الطبيب البريطاني بحكة شديدة وألم في العينين، تبعتها نوبات عطاس متكررة، لم تكن هذه الحالة معروفة على نطاق واسع في أوائل القرن التاسع عشر، لكنها وصفت للمرة الأولى عام 1819 أمام الجمعية الطبية الجراحية في لندن تحت مسمى "الأعراض الدورية"، والتي تعرف اليوم باسم "التهاب الأنف التحسسي" أو "حمى القش".

ووفقًا لتقرير نشرته اليوم الأحد، مجلة "الإيكونوميست"، يتفاعل الجهاز المناعي في هذه الحالة مع مهيجات محمولة في الهواء، مثل حبوب اللقاح، من خلال إطلاق مادة الهيستامين، وهي مادة كيميائية تؤدي إلى التهابات، وبعد أن كانت هذه الظاهرة نادرة في القرون الماضية، أصبحت تصيب واحدًا من كل خمسة أشخاص في البلدان الصناعية، أما في مناطق معينة مثل اليابان، فيُعتقد أنها تصيب ما يقرب من اثنين من كل خمسة أشخاص.

ورغم استقرار معدل الإصابة أخيرًا، يؤكد الدكتور آدم فوكس من كلية كينغز في لندن، أن مدة الأعراض باتت أطول، وأن المرضى يعانون لأسابيع إضافية كل عام.

المدن تزيد من شدة الأعراض

رصدت دراسة علمية نُشرت عام 2023 بقيادة الدكتورة آن جليدسون من جامعة مانشستر، أن سكان المدن يعانون أعراضًا أشد من نظرائهم في المناطق الريفية، ورغم أن الأسباب الدقيقة ما زالت غير واضحة، فإن تلوث الهواء يُعتقد أنه يلعب دورًا في تعزيز تركيز البروتينات المسببة للحساسية في حبوب اللقاح أو في تضخيم الاستجابة المناعية للجسم.

أسهمت أبحاث الدكتورة بيفرلي آدامز-غروم من جامعة ووستر في تسليط الضوء على تأثير الاحترار العالمي، فارتفاع درجات الحرارة في فصل الربيع في بريطانيا أدى إلى تبكير موسم انتشار حبوب لقاح العشب، الذي يبدأ عادةً من مارس ويستمر حتى مايو.

وتكشف البيانات أن بعض الأشجار بدأت بإفراز حبوب اللقاح في وقت مبكر من يناير، أي قبل الموعد الطبيعي بشهرين تقريبًا.

اتجاهات مستمرة مع احترار المناخ

من المرجح استمرار هذه الاتجاهات خلال العقد المقبل، وإن كان مدى حدوثها سيعتمد على مستوى ارتفاع درجات الحرارة، وتختلف التأثيرات تبعًا للأنواع النباتية والمناطق الجغرافية، إذ تُعد "عشبة الرجيد" مثالًا واضحًا على ذلك، فهي من بين الأنواع الأكثر إثارة للحساسية وتكفي حبة واحدة منها في المتر المكعب لإثارة رد فعل لدى المرضى، في حين تحتاج الأنواع الأخرى إلى عشر حبات أو أكثر.

وتؤدي الظروف المناخية المتطرفة، مثل موجات الحر أو الأمطار الغزيرة، إلى تغيرات غير متوقعة في كميات حبوب اللقاح وانتشارها.

حلول جذرية من اليابان

حاولت بعض الحكومات التصدي لهذه الظاهرة المتفاقمة، وتُعد اليابان من الدول القليلة التي تبنّت استراتيجية جذرية، إذ تخطط الحكومة لاستبدال 20% من أشجار الأرز المسببة للحساسية خلال عشر سنوات، أي ما يعادل إزالة نحو 70 ألف هكتار سنويًا، ورغم جرأة هذا القرار، فإنه لم يُعتمد حتى الآن في أي دولة أخرى.

يستطيع المرضى الاعتماد على مضادات الهيستامين وبخاخات الأنف لتخفيف الأعراض، لكنها غالبًا لا تُعالج السبب الجذري، وأظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة "هال أليرجي" الهولندية أن علاجات إزالة التحسس التي تعتمد على تناول جرعة من المسبب تحت اللسان يوميًا قد تقلل الأعراض بنسبة تصل إلى 32% مقارنةً بالعلاج الوهمي.

يمتد تأثير حمى القش إلى الأداء اليومي والنجاح الأكاديمي، فقد أشار باحثون من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا بقيادة الدكتور سيمون سوبستاد بينسنيس، إلى أن تزامن ارتفاع مستويات حبوب اللقاح مع مواسم الامتحانات يؤدي إلى انخفاض أداء واحد من كل عشرة طلاب مصابين.

بحث الطبيب بوستوك نفسه عن وسيلة للنجاة من معاناته المستمرة، فقرر الهروب إلى مدينة رامسجيت الساحلية في إنجلترا، المعروفة برياحها العاتية، وعلى الرغم من أنه لم يتعافَ تمامًا، فإن رحلاته ساعدته على تجنب أسوأ نوبات المرض.

تعكس قصة "حمى القش" كيف يمكن لتغير المناخ والتحضر أن يؤثرا بعمق في صحة الإنسان، ورغم أن التقدم الطبي يوفر بعض الحلول، فإن الإجراءات البيئية لا تزال ضرورية للتقليل من هذه الأعراض التي باتت تطول أعدادًا متزايدة من الناس حول العالم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية